عندما يصادف أحدنا مشكلة ما أو يقع في مأزقٍ محرج أو يحدث له أمر سيء، تختلف أساليب تعبيره حول المشكلة
الواقعة، وغالباً ما يفضّل البعض كبت مشاعر الغضب والاستياء الناتجة جراء الحادثة وتجاوز الأزمة بصمت.
وأما الأطفال فكثيراً ما يعبرون عن مشاكلهم ومشاكل محيطهم بعاداتٍ سيئة أو سلوكيات سلبية كونهم لا يملكون
مهارة الكبار في الكبت والتحليل والتخطيط لما سيحدث بعد الإفصاح عن حقيقة ما يشعرون به.
وتعتبر هذه السلوكيات متواضعة ومكشوفة بالنسبة لمن هم أكبر سناً، وغالباً يريد الطفل من ورائها جذب
الانتباه ولفت النظر أو حتى إرضاء طلبات معينة أو التخلص من مأزقٍ معين.
ومن أشهر هذه العادات البكاء والصراخ اللذين يستمران أحياناً دون انقطاع لمدة طويلة، وهو الأمر الذي
نراه متمثلاً في الشارع بصورة طفل يصرخ بكل قواه وأب أو أم حائرين لا يعرفان ماذا يفعلان لإسكاته.
وتتعلق نوبات الغضب هذه برغبة الطفل في فرض قوة إرادته على والديه أو أي شخصٍ آخر، وجعل هذه الإرادة
تنتصر على إرادة الغير، وكل هذا كما قلنا في سبيل الإنصات إلى مطالبه وتنفيذها. وإذا أطاعه والداه لإيقافه عن
الصراخ المزعج، صارت هذه الوسيلة الحل الأمثل له في كل مرة حتى يربح الحرب.
وهذا الكلام لا يعني أن نؤدبه "نضربه" بشدة حتى نعدله عن هذه العادة، لأن هذا العلاج لربما يؤدي إلى خلخلة
ثقته بنفسه وتكسير شخصيته التي تبنى منذ الصغر.
وهناك سلوك آخر متكرر بين أطفالٍ كثيرين، وهو "تبليل الفراش"، تلك العادة التي تحدث في الليل لما يكون
الطفل ضمن حالة اللاوعي. ولهذا لا نستفيد من سؤال الطفل بشكلٍ مباشر عما يزعجه لأنه هو نفسه لا يعرفه
بصراحة، وباعتبار مخاوفه كامنة في اللاوعي يلجأ إلى تبليل الفراش ليتحرر من خوفه وانزعاجه.
وتقول آن غاد في كتابها "عاداتنا تفضح أسرارنا": "لربما يوجد أحياناً إحساس بالذنب أو الخجل والخزي وليس
لدى الطفل وسيلة أخرى للتعبير عنه غير تبليل الفراش، وأول خطوة في حل هذه المشكلة هي في التعرف جيداً
على محيط طفلنا المدرسي والمجموعة التي يلعب معها والبحث في العائلة أيضاً". وهذا الحل ينطبق على كل
السلوكيات السلبية الملاحظة على أطفالنا.
وأما الكذب فهو السلوك الذي يجدر بنا الانتباه إليه كثيراً إذا ما لاحظناه متكرراً عند الطفل، لأنه في هذه
الحالة ينتقل من كونه طبيعياً (وقد يحصل مع أي شخص سواء أكان صغيراً أو كبيراً) إلى كونه حالة
مرضية يجب الوقوف عندها كثيراً.
ومن المؤكد أن الكذب يُتعلم بالاتصال الجماعي وله علاقة وثيقة بالوسط المحيط وبالبيئة الحاضنة للطفل.
وإذا كانت التربية في البيت أو المدرسة قائمة على القسوة والكبت والعنف، وعلى عدم السماح للطفل بالتعبير
عن مكنوناته ومخاوفه فإنه يلجأ إلى الكذب كطريقة مثالية للحصول على ما يريد وليأخذ المكانة المتميزة
التي يريد أن يكون فيها.
وعلاج هذا السلوك يصب في سبل الوقاية منه، فعلينا أًولاً تفهم حاجات الطفل وظروفه التي دفعته إلى الكذب،
وبعدها علينا السماح لمشاعره بالظهور بالطريقة التي نراها مناسبة لإمكانياته وشخصيته.
وفي النهاية فإن العقل السليم في الجسم السليم، وهذا ما لا تنتبه إليه عائلات كثيرة مجبورة أو غير مجبورة
على ذلك، وهو ما تؤكده أخصائية التغذية رشا نجمة لما تقو أن "الأهل يجب أن يمتلكوا وعياً صحياً يورثوه
لأولادهم، فالوعي الصحي كفيل بحماية الأولاد داخل البيت وخارجه، والتغذية الصحية والمدروسة تفيد كثيراً
في علاج الكثير من السلوكيات الخاطئة عند الصغار وعند الكبار".
وطبعاً فإن معاملة الطفل برفق وجعله يشعر بالمحبة والحنان، وكسب ثقته وتوظيف مهاراته وتشجيعه الدائم
على الحديث والتعبير عن ذاته يجعله يشعر بالأمان وبالتالي لا يضطر إلى ممارسة عادات خاطئة أو سلوكيات
سلبية ولو بالحد الأدنى. ولا ننسى أن توفير الجو الهادئ للطفل خاصةً ضمن فضاء عائلته وإقامة حوارات معه
، يوفر علينا الكثير من العلاج المستقبلي لأي تصرفٍ خاطئ.
ميدل ايست اونلاين