نوشة احمد مشرفة عامة
عدد المساهمات : 1601 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 10/04/2012
| موضوع: شرح حديث خلق الإنسان الأحد أبريل 29, 2012 3:55 pm | |
|
| عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) متفق عليه. هذا الحديث في بيان أطوار خلق الإنسان وأجله ورزقه ومصيره واشتمل أيضا على حسن الخاتمة وسوئها وعظم خطرها . وفي الحديث مسائل: الأولى: يمر خلق الإنسان في الرحم في ثلاثة أطوار يتقلب مائة وعشرين يوما في كل أربعين منها يكون في طور فيكون في الأربعين الأولى نطفة وفي الأربعين الثانية علقة وفي الأربعين الثالثة مضغة ثم ينفخ فيه بعد ذلك ، وقد ذكر الله في القرآن تقلب الجنين في هذه الأطوار فقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، والنطفة معروفة والعلقة قطعة من الدم والمضغة قطعة من اللحم. الثانية: في الحديث دلالة على أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد مضي مائة وعشرين يوما منذ إبتداء الحمل وهو قول الصحابة وعلى هذا بنى الإمام أحمد مذهبه المشهور في أن الجنين إذا تم له أربعة أشهر ثم سقط فإنه يصلى عليه ويأخذ حكم الآدميين أما إذا سقط دون أربعة أشهر قبل نفخ الروح فبضعة لحم لا يتعلق به حكم فلا يكفن ولا يصلى عليه ولا يد فن في المقبرة بل يوارى في حفرة. وظاهر الحديث أن التصوير يبدأ في أول الأربعين الثالثة فإذا ألقت المرأة ما يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان فيه تخطيط فحكمها حكم النفساء تعتد بهذا الدم وتجلس فيه عن الصلاة والصوم ، والمدة التي يتبين فيها خلق الإنسان غالبا ثلاثة أشهر وأقلها واحد وثمانون يوما وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فدمه دم فساد لا تعتد به ولا تترك لأجله العبادة وحكمها حكم الطاهرات ولا تنقضي به عدة المتوفى عنها زوجها. الثالثة: إتفق الفقهاء على تحريم إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه وتنازعوا في إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه فأجازه قوم واستدلوا على ذلك بالعزل وهذا لا يصح لأن الجنين قد انعقد وتصور بخلاف العزل فإن الجنين لم يوجد بالكلية وحقيقته أنه وسيلة إلى منع إنعقاده وقد لا يمتنع إنعقاده بالعزل إذا أراد الله خلقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن العزل ( لا عليكم ألا تعزلوا إنه ليس من نفس منفوسة إلا الله خالقها) متفق عليه ،فالصحيح أنه يحرم إسقاطه إذا صار علقة أو مضغة إلا لضرورة ، أما النطفة فيكره إلقاؤها بغير حاجة لأنها لم تنعقد بعد وقد لا تنعقد ولدا ولأنه لا حرمة لها. الرابعة: هذا الحديث يدل على أن الكتابة تكون بعد الأربعة الأشهر وفي حديث حذيفة بن أسيد الذي أخرجه مسلم يدل على أن الكتابة تكون في أول الأربعين الثانية وظاهر ذلك التعارض وقد جمع بينها أهل العلم على وجوه أحسنها أن يقال أن ذلك يختلف باختلاف الأجنة فمنهم من يكتب له بعد الأربعين ومنهم من يكتب له بعد أربعة أشهر . وكتابة الأشياء وتقديرها على أنواع: الأول: أزلي لسائر المخلوقات قبل خلقها ، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة). الثاني: عمري في ابتداء خلق الإنسان كما في حديث بن مسعود هذا. الثالث: حولي يقدر للخلق في ليلة القدر ما يحصل في تلك السنة إلى السنة الأخرى قال تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) . الرابع: يومي يقدر للخلائق في ابتداء كل يوم قال تعالى( كل يوم هو في شأن) عن ابن عباس " إن الله خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء, دفناه ياقوتة حمراء, قلمه نور, وكتابه نور, عرضه ما بين السماء والأرض, ينظر فيه كلّ يوم ثلاث مئة وستين نظرة, يخلق بكل نظرة, ويُحيي ويميت, ويُعزّ ويُذلّ, ويفعل ما يشاء ". وكل هذه التقديرات تفصيل للقدر السابق في الأزل . الخامسة: في الحديث بيان سعة علم الله تعالى وأنه يعلم جميع أحوال الخلق قبل خلقهم ويقدر مقاديرهم لحكمة فما يكون منهم من إيمان وطاعة وكفر ومعصية وشقاوة وسعادة وفقر وغنى إلا قد سبق في علم الله ، فإذا آمن العبد بذلك واطمأن قلبه أورث ذلك عنده رضا بقسم الله له وقناعة في طلب الرزق مع بذل الأسباب المشروعة وعدم المبالغة فيها والحرص عليها ، وفي الحديث (نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم إستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) رواه الطبراني . السادسة: قوله صلى الله عليه وسلم (فو الذي لا إله غيره) فيه دليل على مشروعية الحلف في الأمور المهمة في مقام التعليم والإفتاء والمناظرة وغيرها في المواضع التي يحتاج المتكلم إلى تأكيد الكلام ورفع الريبة عن السامع ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة ، وقد أكثر النبي صلى الله عليه وسلم من إستعمال اليمين في ذلك ، أما إستعمال اليمين فيما لا حاجة فيه ولا مصلحة راجحة فمكروه وقد أمر الله تعالى بحفظ اليمين بقوله ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ). السابعة: قوله صلى الله عليه وسلم (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) ظاهره فيه إشكال ويفسره حديث سهل بن سعد في الصحيحين برواية (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) فهذه الرواية تدل على أن ظاهر عمل الرجل يكون صالحا وأن باطنه يكون بخلاف ذلك وأن الخاتمة السيئة تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس من شك أو نفاق أو رياء ونحوه من أمراض القلب فتغلب عليه تلك الخصلة السيئة عند موته وتوجب له سوء الخاتمة والعياذ بالله ، وكذلك قد يكون ظاهر عمل الرجل فاسدا من أعمال أهل النار وفي باطنه خصلة خفية صالحة لا يطلع عليها الناس من خوف الله ومحبته وإشفاقه من ذنوبه الكبار وغير ذلك من خصال الخير ثم تغلب عليه تلك الخصلة آخر عمره ويوفق للتوبة فتوجب له حسن الخاتمة . قال عبد العزيز بن أبي رواد "حضرت رجلا عند الموت يلقن لا إله إلا الله فقال آخر ما قال هو كافر بما تقول ومات على ذلك قال فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر فكان عبد العزيز يقول إتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته". الثامنة: أفاد الحديث الخوف الشديد والحذر من سوء الخاتمة وأن العبرة ليس بكثرة العمل وإنما العبرة بالخواتيم ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول " يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقيل يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كيف شاء " وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " ، وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يخافون على أنفسهم النفاق الأصغر ويشتد قلقهم وحزنهم منه ويخشون أن يغلب ذلك عليهم عند الخاتمة ويخرجهم إلى النفاق الأكبر ، ومن هنا ينبغي على العبد ألا يغتر بصالح عمله ولا يتكل عليه ويعجب به لأنه لا يدري ما يختم له ويكثر من سؤال الله الثبات وأن يتعوذ من سوء الخاتمة والموفق من وفقه الله وعصمه. التاسعة: مذهب أهل السنة والجماعة أن لا يشهد لمعين بجنة ولا نار إلا ما شهد له الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك كما شهد بالجنة للعشرة والحسن والحسين وثابت بن قيس وعكاشة وغيرهم ، وكما شهد بالنار لأبي لهب وكركرة وأبي طالب وغيرهم ، ولا يجوز الحكم على أحد بجنة ولا نار من غير دليل يوجب ذلك إلا أننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء ونشهد للمؤمنين بالجنة عموما ونشهد للكفار بالنار عموما من غير تعيين. العاشرة: السعادة الحقيقية هي إلتزام العبد الطاعة من الإيمان والعمل الصالح مما يكون سببا في دخول الجنة ، والشقاوة الحقيقية هي الخروج عن طاعة الله والإعراض عن دينه وانتهاك محارمه مما يكون سببا في دخول النار ، أما الدنيا والملذات فلا يفرح بها المؤمن لأنها زائلة وحصولها للعبد ليس دليلا على الرضا والمحبة ولا تساوي عند الله جناح بعوضة ولذلك منعها أكرم الخلق ، ومن اعتقد أن السعادة كل السعادة في جمع المال والشقاوة في قلة المال فقد جانب الصواب وضعفت بصيرته وقل إيمانه وغلبه هواه قال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) فالواجب على العبد أن يسعى في تحصيل أسباب السعادة وترك أسباب الشقاوة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
|
| |
|